فصل: بعض الحوادث في تلك السنة:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تاريخ الجبرتي المسمى بـ «عجائب الآثار في التراجم والأخبار» (نسخة منقحة)



.سنة ثلاثين ومائة وألف:

وحضر محمد جركس من السفر في سنة ثلاثين فوجد سيده إبراهيم بك توفي، وأمير مصر إسمعيل بك، فتاقت نفسه للرياسة فضم إليه جماعة من الفقارية مثل حسين أبو يدك وذي الفقار تابع عمر آغا وأصلان وقيلان ومن يلوذ بهم من أمثالهم، واتخذ لهم سراجاً قبيحاً يقال له الصيفي، وكان الدفتردار في ذلك الوقت أحمد بك الأعسر تابع إبراهيم بك أبي شنب، وكلما رأى تحرك محمد بك جركس لإثارة الفتن يهدي عليه ويلاطفه ويطفئ ناريته. وكان ذو الفقار لما قتل سيده عمر آغا وأراد إسمعيل بك قتله أيضا في ذلك اليوم، فوقع على خازندار حسن كتخدا الجلفي وحماه من القتل وأخرج له حسن كتخدا حصة في قمن العروس بالمحلول عن سيده وهي شركة إسمعيل بك ابن إيواظ ولم يقدر حسن كتخدا أن يذاكر إسمعيل بك في قائظها لعلمه بكراهته لذي الفقار ويريد قتله. فلما مات حسن كتخدا الجلفي وحضر محمد بك جركس من السفر، انضم إليه ذو الفقار المذكور وخاطب في شأنه إسمعيل بك، فلم يفد ولم يرض أن يعطيه شيئا من فائظه وتكرر هذا مراراً حتى ضاق خناق ذي الفقار من الفشل، فدخل على محمد بك جركس في وقت خلوة وشكا إليه حاله وفاوضه في اغتيال إسمعيل بك. فقال له: أفعل ما تريد. فأخذ معه في ثاني يوم أصلان وقيلان وجماعة خيالة من الفقارية ووقفوا لإسمعيل بك في طريق الرميلة عند سوق الغلة وهو طالع إلى الديوان، فمر إسمعيل بك وصحبته يوسف بك الجزار وإسمعيل بك جرجا وصاري علي بك فرموا عليهم بالرصاص، فلم يصب منهم إلا رجل قواس، ورمح إسمعيل بك ومن بصحبته إلى باب القلعة ونزل هناك وكتب عرضحال ملخصه الشكوى من محمد بك جركس، وأنه قد جمع عنده المفسدين ويريد إثارة الفتن في البلد، وأرسله إلى الباشا صحبة يوسف بك. فأمر علي باشا بكتابة فرمان خطاباً للوجاقات بإحضار محمد بك جركس، وإن أبى فحاربوه واقتلوه. فلما وصل الخبر إلى جركس ركب مع المنضمين إليه فقارية وقاسمية ووصل إلى الرميلة، فصادف الموجهين إليه فحاربهم وحاربوه، وقتل حسين بك أبو يدك آخرون وانهزم جركس وتفرق من حوله ولم يتمكن من الوصول إلى داره. فذهب على طريق الناصرية ولم يزل سائرا حتى وصل إلى شبرا ولم يبق صحبته سوى مملوكين. فلاقاه جماعة من عرب الجزيرة فقبضوا عليهم واخذوا سلاحهم وأتوا بهم إلى بيت إسمعيل بك ابن إيواظ بك وكان عند أحمد كتخدا أمين البحرين والصابونجي، فأشارا عليه بقتله فلم يرض وقال أنه دخل بيتي وخلع عليه فروة سمور وأعطاه كسوة وذهبا ونفاه إلى جزيرة قبرص. ورجع العسكر الذين كانوا بالسفر واستشهد أمير العسكر أحمد بك فقلدت الدولة علي كتخدا الهندي صنجقاً عوضاً عن مخدومه أحمد بك، وأعطوه نظر الخاصكية قيد الحياة، وأطلقوا له بلاده من غير حلوان. فلما وصلوا إلى مصر عمل له يوسف بك الجزار سماطاً بالحلي، ثم ركب وطلع إلى القلعة وخلع الباشا على علي بك الهندي خلعة السلامة، ونزل إلى بيت إسمعيل بك وأنعم عليه بتقاسيط بلاد فائظها اثنا عشر كيسا. واستمر صنجقا وناظرا على الخاصكية.
وفي هذه السنة أعني سنة ثلاثين حصلت حادث ببولاق، وهو أن سكان حارة الجوابر تشاجروا مع بعض الجمالة ابتاع أوسية أمير الحاج، فحضر اليهم أمير اخور فضربوه ووصل الخبر إلى الأمير إسمعيل بك، فأرسل إليهم آغات الينكجرية والوالي فضربوهم فركب الصنجق بطائفته وقتلوا منهم جماعة وهرب باقيهم وأخرجوا النساء بمتاعهن وسمروا الدرب من الجهتين وكانت حادثة مهولة، واستمر الدرب مقفولا مسمرا نحو سنتين.
وفيها كان موسم سفر الخزينة وأميرها محمد بك ابن إبراهيم بك أبو شنب. وكان وصل إليه الدور وخرج بالموكب وأرباب المناصب والسدارة ولما وصل إلى اسلامبول واجتمع بالوزير ورجال الدولة أوشى إليهم في حق إسمعيل بك ابن إيواظ وعرفهم أنه أن استمر أمره بمصر أدعى السلطنة بها وطرد النواب، فإن الأمراء وكبار الوجاقات والدفتردار وكتخدا الجاويشية صاروا كلهم اتباعه ومماليكه ومماليك أبيه. وعلي باشا المتولي لا يخرج عن مراده في كل شيء، ونفى وأبعد كل من كان ناصحاً في خدمة الدولة مثل جركس ومن يلوذ به، وعمل للدولة أربعة آلاف كيس على إزالة إسمعيل بك والباشا وتولية وال آخر يكون صاحب شهامة. فأجابوه إلى ذلك. وكان قبل خروجه من مصر أوصى قاسم بك الكبير على إحضار محمد بك جركس فأرسل إليه وأحضره خفية واختفى عنده. ثم أن أهل الدولة عينوا رجب باشا أمير الحاج الشامي ورسموا له عند حضوره إلى مصر أن يقبض على علي باشا ويحاسبه ويقتله ثم يحتال على قتل إسمعيل بك أن إيواظ وعشيرته ما عدا بك الهندي. ورجع محمد بك ابن أبي شنب إلى مصر وعمل دفتر دار، وحضر مسلم رجب باشا ومعه الأمر بحبس علي باشا بقصر يوسف وقائمقامية إلى أحمد بك الأعسر. وبعد أيام وصل الخبر بوصول رجب باشا إلى العريش، وسافرت له الملاقاة وتقلد إبراهيم بك فارسكور أمين السماط وطلع إسمعيل بك أميراً بالحج.

.سنة إحدى وثلاثين ومائة وألف:

وهي سنة إحدى وثلاثين ومائة وألف، وذلك عند وصول رجب باشا إلى العريش، ثم حضر رجب باشا إلى مصر وعملوا له الشنك والموكب على العادة، فلما اسقر بالقلعة أحضر إليه ابن علي باشا وخازنداره وكاتب خزينته والروزنامجي وأمره بعمل حسابه ثم قطع رأسه ظلماً وسلخها وأرسلها إلى الباب ودفن علي باشا بمقام أبي جعفر الطحاوي بالقرافة، ويعرف إلى الأن قبره بعلي باشا المظلوم، وأمر بضبطجميع مخلفاته ثم أحضر له جركس خفية وأمر الآغا والوالي بالمناداة عليه وكل من آواه يشنق على باب داره. ثم اختلى به وقال له: كيف العمل والتدبير في قتل ابن إيواظ بك وجماعته، فقال له: الرأي في ذلك أن ترسل إلى العرب يقفون في طريق الوشاوشة فأنهم يرسلون يعرفونكم بذلك، فأرسلوا لهم عبد الله بك وبعد عشرة أيام أرسلوا يوسف بك الجزار ومحمد بك ابن إيواظ بك وإسمعيل بك جرجا وعبد الرحمن آغا ولجه آغات الجملية، فعندما يرتحلون من البركة يقتل إسمعيل بك الدفتردار كتخدا الجاويشية، عند ذلك أنا أظهر ونقلد إمارة الحج إلى محمد بك ابن إسمعيل بك، ونرسله بتجريدة إلى ابن إيواظ بك يقتلونه مع جماعته وهذا هو الرأي والتدبير. ففعلوا ذلك ولم يتم، بل اختفى إسمعيل بك ودخل إلى مصر ثم ظهر بعد أن دبر أموره وعزل رجب باشا وأنزلوه إلى بيت مصطفى كتخدا عزبان وفسد تدبيره، وكتبوا عرضحال بصورة الواقع وأرسلوه إلى اسلامبول. وسيأتي تتمة خبر ذلك في ترجمة إسمعيل بك. وكان رجب باشا أخذ من مال دار الضرب مائة وعشرين كيسا صرفها على التجريدة.

.سنة ثلاث وثلاثين ومائة وألف:

وصل محمد باشا النشانجي سنة ثلاث وثلاثين. فعندما استقر بالقلعة طلب من رجب باشا المائة وعشرين كيسا وقلد إمارة الحج لمحمد بك، فطلع بالحج سنة ثلاث وسنة أربع وثلاثين ثم حضر مرسوم والعفو لإسمعيل بك ابن إيواظ بك وقرئ بالديوان وساف رجب باشا وسكن الحال مع التنافر والحقد الباطني الكامن في نفس محمد بك جركس وابن أستاذه محمد بك أبي شنب لإسمعيل بك ابن إيواظ وهو يسامح لهم ويتغافل عن أفعالهم وقبائحهم ويسوس أموره معهم، وكل عقدة عقدوها بمكرهم حلها بحسن رأيه وسياسته وجودة رأيه. وجرت بينه وبينهم أمور ووقائع ومخاصمات وجمعيات ومصالحات يطول شرحها ذكرها أحمد جلبي عبد الغني في تاريخه الذي ضاع مني. ولم يزل إسمعيل بك ظاهرا عليهم حتى خانوه واغتالوه وقتلوه بالقلعة على حين غفلة على يد ذي الفقار تابع عمر آغا وأصلان وقيلان ومن معهم، وقتلوا وقتلوا معه إسمعيل بك جرجا وعبد الله آغا كتخدا الجاويشية ثم تحيلوا على قتل عبد الله بك ومحمد بك ابن إيواظ وإبراهيم بك ابن الجزار، وذلك في سنة ست وثلاثين ومائة وألف في أيام ولاية محمد باشا المذكور. وسيأتي تتمة ذلك في ذكر تراجمهم وقلدوا ذا الفقار قاتل إسمعيل بك الصنجقية وكشوفية المنوفية،وأنضم إليه من كان خاملاً من الفقارية وبدأ أمرهم في الظهور. فممن انضم إليه مصطفى بك يلفيه ومحمد بك أمير الحاج وهو ابن إسمعيل بك الكبير الفقاري وإسمعيل بك الدالي وقيطاس بك الأعور وإسمعيل بك ابن سيده ومصطفى بك فزلار وخلافهم اختيارية وآغوات من الوجاقلية، ونظم أموره وقضى لوازمه وأشغاله وجعل مصطفى أفندي الدمياطي كاتب تركي، وعزم على السفر إلى المنوفية، وركب في موكب حافر وصحبته من ذكر من الفقارية. وكان رجب كتخدا ومحمد جاويش الداودية متوجهين إلى بيت محمد بك جركس، وكانا خصيصين به وبيدهما باب الينكجرية مع الاقواسي، ولهما الكلمة بالباب دون القازدغلية. فصادف موكب ذي الفقار فوقفا ونظرا إلى الراكبين معه من الفقارية، فتغير خاطرهم على جركس وتكدر مزاجهما وترحما على إسمعيل بك ابن إيواظ. ولما دخلا على جركس نظر إليهما فرآهما منفعلين فسألهما عن سبب انفعالهما فأخبراه بما رأياه. وقالا ان دام هذا الحال قتلنا الفقارية، فقال: يكون خيراً. ثم أمر الصيفي بقتل أصلان وقيلان فوظب معه سراجا يثق به وأمره أن يقف في سلالم المقعد، فعندما علم بحضورهما أحدث الصيفي مشاجرة مع ذلك السراج وفزع عليه بالطبنجة، فهرب السراج من أمامه فجرى الصيفي خلفه فاخرج ذلك السراج طبنجته أيضًا ورفع زنادها، فقال له أصلان: عيب فأفرغها فيه وفرغ أيضا الصيفي طبنجته في قيلان وذلك بسلالم المقعد ببيت جركس، ومسح الخدم الدم وأخذوا خيولهما وأرسلوا المقتولين إلى بيوتهما في تابوتين. ثم أن محمد بك جركس طلع إلى القلعة وطلب من الباشا فرمانا بتجريدة يرسلها إلى ذي الفقار ومن معه من الفقارية فامتنع الباشا، وقال: رجل خاطر بنفسه بمعرفتكم واطلاعكم كيف أني أعطيكم بعد ذلك فرمانا بقتله. فقام جركس ونزل إلى بيته ولم يطلع بعد ذلك إلى الديوان، وأهملوا الدواوين والباشا. فلما ضاق خناق الباشا أبرز مرسوما رفع صنجقية جركس وكتب فرمانا للمشايخ والوجاقلية بذلك ويمنعهم من الذهاب إليه، وبلغ إلى جركس فتدارك الأمر وعمل جمعيات ورتب أمورا، واجتمعوا بالرميلة وحوالي القلعة وعزلوا الباشا وأنزلوه وأسكنوه في بيت ابن الدالي وكان ذلك في أواخر سنة سبع وثلاثين، فكانت مدته في هذه المدة أربع سنوات وأرسلوا له محمد بك ابن أبي شنب فخلع عليه وجعلوه قائمقام وأخذوا منه فرمانا بالتجريدة على ذي الفقار، وجعلوا إبراهيم بك فارسكور أمير العسكر وكاشف المنوفية. ووصل الخبر إلى ذي الفقار بك بما حصل من مصطفى بك بلغيه فوزع طوائفه في البلاد ودخل إلى مصر خفية إلى بيت أحمد أوده باشا مطر باز. فلما سافر إبراهيم بك بالتجريدة فلم يجده فضبط موجوداته وتحقق من المخبرين أنه دخل إلى مصر وأرسل الخبر بذلك لجركس، فأمر لهلوبة الوالي والصيفي بالفحص والتفتيش عليه وأرسلوا عرضحال محضراً بما نمقوه وبنزول الباشا. وكان محمد باشا أرسل قبل ذلك مكاتبات لرجال الدولة بما حصل بالتفصيل، فلما وصل عرض المصريين عينوا علي باشا واليا جديداً إلى مصر بتدبير ومكيدة وصحبته قبودان وقابجي بطلب الأربعة آلاف كيس التي جعلها محمد بك ابن أبي شنب حلواناً على بلاد الشواربية. بك ابن أبي شنب حلواناً على بلاد الشواربية.

.بعض الحوادث في تلك السنة:

من الحوادث في أيام محمد باشا أن في أول الخماسين، طلع الناس على جري العادة في ذلك لاستنشاق النسيم في نواحي الخلاء، وخرج سرب من النساء إلى الأزبكية وذهب منهن طائفة إلى غيط الأعجام تجاه قنطرة الدكة، فحضر اليهن جماعة سراجون وبأيديهم السيوف من جهة الخليج وهم سكارى وهجموا عليهن وأخذوا ثيابهن وما عليهن من الحلي والحلل.
ثم أن الخفراء وأوده باشة القنطرة حضروا إليهن بعد ذهاب أولئك السراجين فأخذوا ما بقي وكملوا بقية النهب وجميع من كان هناك من النساء من الأكابر، ومن جملة ما ضاع حزام جوهر وبشت جوهر قالوا أن الحزام قيمته تسعة أكياس والبشت خمسة أكياس. ومن جملة من أن هناك آمنة الجنكية وصحبتها امرأة من الأكابر فعروهما وأخذوا ما عليهما، وكان لها ولد صغير وعلى رأسه طاقية عليها جواهر وبنادقة وزوجا أساور جوهر وخلخال ذهب بندقي قديم وزنه أربعمائة مثقال. ومن جملة ما أخذوا لباس شبيكة من الحرير الأصفر والقصب الأصفر وفي كل عين من الشبيكة لؤلؤة شريط مخيش، والدكة كذلك واخذوا أزرهن وفرجياتهن وأرسلن إلى بيوتهن فتاتين بثياب يستترن بها وذهبن. وكانت هذه الحادثة من أشنع الحوادث. ثم أن في ثاني يوم قدموا عرضحال إلى الباشا وأخذوا على موجبة فرمانا إلى آغات الينكجرية على أنه يتوجه وصحبته الوالي واوده باشة البوابة، فذهبوا إلى محل الواقعة، وأحضروا أهل الخطة فشهدوا على أن هذه الفعلة من الخفراء بيد أوده باشة مركز القنطرة وهو الذي أرسل السراجين والحمارة، فقبضوا على الخفراء والاوده باشا وسئلوا فأنكروا فحبس الاوده باشا في بابة والخفراء في العرقانة، وأمر الباشا الوالي بعقابهم فلما رأوا آلة العذاب اقروا أن ذلك من فعل الاودة باشا. فاخذوا منه مالا كثيرا ونفوه إلى أبي قير ونادى الآغا والوالي على النساء لا يذهبن إلى الغيطان بعد اليوم ولا يركبن الحمير.
ومنها أنه ورد آغا من الديار الرومية في سابع عشر ربيع الآخرة سنة خمس وثلاثين، وعلى يده مرسوم بدفع ستين كيسا إلى باشة جدة ليشتروا بها مركبا هنديا لحمل غلال الحرمين، عوضا عن مركب غرقت قبل هذا التاريخ. وحضر صحبة ذلك الآغا تاجر عظيم من تجار الشوام ومعه أتباعه، ووصل الجميع على خيل البريد إلى أن وصلوا إلى بركة الحاج. فنزلوا يأخذوا لهم راحة لكونهم وصلوا أرض الأمان، وفارقهم الآغا، فنزل عليهم سالم بن حبيب فعراهم، وأخذ ما معهم وكذلك كل من صادفه في الطريق. ومن جملة ذلك سبعون جملا لعبد الرحمن بك محملة ذخيرة من الولجة إلى منزله، وكذلك جمال عبد الله بك وجمال السقائين، وحصل منهم ما لا خير فيه، وكان صحبة سالم عرب الجزيرة ومغاربة. وسبب ذلك أنه لما طرد من دجوة وذهب إلى الصعيد فنزل إلي قيحاس بك وجمع عليه عربان القبائل وحاربه وقتل أولاده، فرجع من خلف الجبل وقعد بالبركة وقطع الطريق. فلما وصل الخبر بذلك إلى مصر نزل إليه أمير الحاج وكاشف القليوبية حمزة بك تابع ابن إيواظ وعينوا صحبتهم عرب الصوالحة وهم نصف حرام، فنزل أمير الحلي بالمسبك وجلس هناك وابن حبيب نازل في المساطب التي بعد البركة، وناصب صيوان كاشف شرق اطفيح وكان نهبه وهو متوحه إلى قبلي، فإن الكاشف لما أقبل عليه سالم رمح عليه وكان في قلة فهزمه سالم واخذ صيوانه ونهب الوطاق والجمال وأخذ النقاقير، ونزل البركة وربط خيوله هو ومن معه في الغيطان. فأكلوا ستة وثلاثين فدان برسيم في ليلة واحدة. ثم أن الباشا أرسل إلى أمير الحاج بالرجوع وعينوا عبد الله بك وحمزة بك وخليل آغا وأرسل إسمعيل بك صحبتهم خمسمائة جندي من أتباعه ومن البلكات، ومعهم فرمان لجميع العرب بالتعمير في أوطانهم، ما عدا سالم بن حبيب وأخوته ومن يلوذ به وسافرت لهم التجريدة، وارتحل ابن حبيب وسار إلى جهة غزة. ونهبت التجريدة ما في طريقها من البلاد، وأرسل إليهم الباشا فرمانا بالعود فرجعوا من غير طائل.
ومنها أنه ورد شاهقتان وهما مركبان من أرض حوران مملوءتان قمح حنطة، في كل واحدة عشرة آلاف اردب، بيعتا في دمياط، وكان سعر الغلة غاليا بمصر لقصور النيل في العام الماضي، وتسامعت البلاد بذلك، فهذا هو السبب في ورود هذين المركبين.
وفي شهر ذي القعدة سنة خمس وثلاثين ومائة وألف تقلدا الصنجقية علي آغا الأرمني الذي عرف بأبي العزب وكذلك علي آغا صنجقية وأمين العنبر وحاكم جرجا وكمل بذلك صناجق مصر أربعة وعشرين صنجقاً.
وكانوا في المعتاد القديم اثنين وعشرين وكتخدا الباشا وقبطان الإسكندرية فتكرم الباشا بصنجقية كتخداه لعلى بك الأرمني إكراماً لإسمعيل بك ابن إيواظ بك، فكمل بذلك عشرة من أتباع إسمعيلبك وهم إسمعيل بك الدفتردار وعبد الله بك وأخوه محمد وحمزة بك وعلي بك الهندي وصاري علي بك وإبراهيم بك خازندار الجزار وعبد الرحمن بك ولجه وعلي بك هذا المعروف بأبي العزب، وهو عاشرهم، ومن بيت أبي شنب محمد بك ابنه وجركس الكبير ومملوكه جركس الصغير وقاسم الكبير وقاسم الصغير والأعسر وإبراهيم بك فارسكور وذو الفقار تابع قانصوه ومصطفى بك القزلار وقيطاس بك تابع قيطاس بك الكبير وابن إسمعيل بك الدفتر دار وهو محمد بك وأحمد بك المسلماني ومرجان جور وإبراهيم الوالي تتمة أربعة عشرة. وتقلد كشوفية الغربية محمد بن إسمعيل بك والبحيرة أحمد بك الأعسر وبني سويف قاسم بك الصغير والجيزة محمد بك أبي شنب الدفتر دار والشرقية عبد الرحمن بك. ولبس علي القليوبية خليل آغا بعد عزله من آغاوية الجراكسة وتقلد قيطاس بك كشوفية المنوفية بعد عزله من آغاوية التفكجية، وتقلد حسين آغا ابن محمد آغا تابع البكري كشوفية الفيوم وإبراهيم بك الوالي على الخزينة وألبس إسمعيل بك محمد آغا ابن أشرف علي آغاوية الجملية على ما هو عليه. وكان أراد محمد بك تلبيس مصطفى آغا بلغيه فحصل بين بك ابن أبي شنب وبين إسمعيل بك ابن إيواظ بك غم وكلام في الديوان، فلما رأى مصطفى آغا ذلك ما وسعه إلا النزول من باب الميدان، وتركهم وألبس عبد الغفار أفندي آغاوية الجراكسة ومصطفى آغا تابع عبد الرحمن بك آغات متفرقة. وركب إسمعيل بك بطائفته ونزل بن أبي شنب والأعسر وقاسم بك وهم مملوءون من الغيظ.
وفي رجب قبل ذلك ورد آغا من الديار الرومية وعلى يده مرسوم وسيف وقفطان للشريف يحيي شريف مكة، وتقرير للباشا على السنة، وآغاوية المتفرقة لعبد الغفار أفندي، لم يسبق نظير ذلك. وأن آغاوية المتفرقة تأتي من الديار الرومية، وسبب ذلك أن حسن أفندي والد عبد الغفار أفندي كان عنده طواشي أهداه إلى السلطنة فأرسل ذلك الآغا آغاوية المتفرقة إلى ابن سيده فالبسه الباشا القفطان على ذلك، فحصل بسبب ذلك فتنة في الوجاق. وسبب ذلك أن وجاقهم فرقتان ظاهرتان بخلاف غيره، والظاهر منهما ستة أشخاص من الاختيارية، وهم سليمان آغا الشاطر وعلي آغا وعبد الرحمن آغا القاشقجي وخليل آغا وإبراهيم كاتب المتفرقة سابقاً وكبيرهم محمد آغا السنبلاوين، وهم من طرف محمد بك جركس: لكن لما ظهر إسمعيل بك انحطت كلمتهم وظهرت كلمة الذين من طرف إسمعيل بك، وهم إسمعيل آغا ابن الدالي وأحمد حلبي بن حسين آغا أستاذ الطالبية وأيوب جلبي. فلما تولى عبد الغفار آغاوية لحق أولئك الحقد والحسد وتناجوا فيما بينهم على أن يملكوا الباب، فاجتمعوا بأنفارهم وملكوا الباب، فهرب عبد الغفار آغا إلى بيت إسمعيل بك وكان عنده الجماعة الآخرون. فدخل عليهم عبد الغفار آغا وأخبرهم بما حصل، فأشار عليهم إسمعيل بك أن يذهبوا إلى بيت أحمد جلبي ويجعلوه محل الحكم. وأرسل أولئك الطرف، فطلبوا محمد آغا أبطال وباكير آغا تابع إسمعيل بك الكبير ومصطفى أغا وكانوا منفيين من بابهم إلى العزب، وكانوا كبراءهم، وخرجوا منهم في واقعة جركس المتقدمة، فآبوا من الحضور إليهم. فلما أبوا عليهم عملوا القاشقجي باش اختيار عوضاً عن أبطال وعزلوا وولوا على مرادهم، وطلع في صبحها إسمعيل بك إلى الديوان وصحبته علي بك وأمير الحاج وأخبروا الباشا بما حصل فأرسل اثنين آغوات ومن كل وجاق اثنين اختيارية لينظروا الخبر، ففزعوا عليهم فرجعوا وأخبروا الباشا والأمراء، فأرسل لهم فرمانا بنفيهم إلى الكشيدة، فأبوا وصمموا على عدم ذهابهم إلى الكشيدة. وأقام الأمراء عند الباشا إلى الغروب ثم أنهم نزلوا ووعدوا الباشا أنهم في غد يفصلون هذا الأمر، وأن لم يمتثلوا حاربناهم. فلما كان في ثاني يوم عملوا جمعية واتفقوا على توزيع الستة أنفار على الست وجاقات، وكتبوا من الباشا ست فرمانات لك فرد منهم فرمان، فكان كذلك وتفرقوا في الوجاقات.
ونزل إسمعيل بك ابن إيواظ ثالث عشر رجب سنة خمس وثلاثين إلى بيته بعد أقامته في باب العزب ثلاثة أيام في طائفته ومماليكه وصناجقه، بحيث أن أوائل الطائفة دخلوا إلى البيت قبل ركوبه من باب العزب، وكان خلفه نحو المائتين بالطرابيش الكشف، وتمم الأمر على مراده. ثم تحقق الخبر فظهر له أن أصل هذه الفتنة من إسمعيل آغا ابن الدالي فطلع في ثاني يوم إلى الديوان، وألبس إسمعيل آغا آغاوية العزب وأحضر محمد آغا أبطال باش اختياراً.
وفي ذلك اليوم حضر عبد الله بك وحمزة بك المتوجهان إلى العزب ومعهما أربعمائة وخمسون رأسا وسبعة من القادم بالحياة، فأرسل إليهما إسمعيل بك بأن يرميا الرؤوس في الخانقاة ويقتلا الذين بالحياة، ويدخلا إلى مصر بالليل ففعلا ذلك، والله أعلم بغرضه في ذلك.
وفي أيامه أيضاً في شعبان سنة خمس وثلاثين ورد عرضحال من مكة بان يحيى الشريف وعلي باشا والي جدة وعسكر مصر الذين عينوا صحبة أحمد بك المسلماني وأهل مكة تحاربوا مع الشريف مبارك شريف مكة سابقاً وكان معه سبعة آلاف من العرب اليمانية، ووقع بينهم مقتلة عظيمة وسقط علي باشا من على ظهر جواده، إلا أن أحمد بك أدركه وأنقذه بجواده الجنيب، فخلع على أحمد بك خلعة سمور وسردارية مستحفظان.
وكان ذلك في عرفات وقتل من العرب زيادة عن ألفين وخمسمائة ومن العسكر نحو الخمسين ومن ابتاع الباشا كذلك. ومات علي آغا سردار جمليان، وكان الباشا قتل من الأشراف أثني عشر شخصاً وكانوا في جيرة الشريف يحيى، وقد أبطل الجيرة ثم أنهم رجعوا بعد المعركة إلى جدة، وأنهم مجتهدون في جمع اللموم وقادمون علينا بمكة، والقصد الاهتمام والتعجيل بإرسال قدر ألف وخمسمائة عسكري وعليهم صنجق، لأن الذين عندنا عندما ينقضي الحج يذهبون إلى بلادهم وتصير مكة خالية. وقد أخبرناكم وأرسلنا بمثل ذلك إلى الديار الرومية صحبة الشيخ جلال الدين ومفتي مكة، فكتب الباشا والأمراء بذلك أيضا وانتظروا الجواب. ثم ورد الساعي وأخبر بوصول على باشا إلى سكندرية في غليون البليك وحضر بعد يومين الملم بقائم مقامية لمحمد بك جركس فخلع عليه فروة سمور وأنزله بمكان شهر حواله ورتب له تعيينات. وسافرت الملاقاة وأرباب الخدم والجاويشية والملازمون. وقلد محمد بك خازنداره رضوان صنجقية وجعله أمين السماط، وأخذ الخاصكية من علي بك الهندي وأعطاها لرضوان المذكور وأبطل الخط الشريف الذي بيده بالخاصكية قيد حياته.